الثلاثاء 10
يونيو 2025
رفضت السلطات الموريتانية رسميًا طلب جبهة البوليساريو إعادة فتح منطقة “لبريكة”، الواقعة عند المثلث الحدودي بين موريتانيا، الجزائر والمنطقة العازلة، وذلك لأسباب وصفت بأنها "أمنية واستراتيجية".
قرار الرفض جاء
خلال زيارة قام بها وفد من الجبهة إلى نواكشوط، الجمعة الماضية، حاملًا رسالة من
زعيم الجبهة، إبراهيم غالي، إلى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، في إطار وساطة
قادها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. وقد أُبلغ الوفد بشكل رسمي بعدم الاستجابة
لطلبه، وتم التأكيد على تمسك نواكشوط بقرار الإغلاق الذي نفذته القوات المسلحة
الموريتانية بتاريخ 21 مايو.
التطورات
الميدانية الأخيرة، وعلى رأسها أنباء عن توغل عناصر من البوليساريو داخل الأراضي
الموريتانية، يُعتقد أنها كانت من بين الأسباب المباشرة لهذا القرار. تقارير محلية
ودولية كانت قد أشارت إلى إعلان الجيش الموريتاني “لبريكة” منطقة محظورة على
المدنيين، بعد عمليات تسلل يشتبه في أنها كانت تهدف لتحضير هجمات ضد المغرب
انطلاقًا من التراب الموريتاني، القريب من مخيمات تندوف الجزائرية.
ورغم أن نواكشوط
لم تصدر تأكيدًا رسميًا بشأن هذا القرار، إلا أن ما بات مؤكدًا هو تضييق الخناق
على تحركات الجبهة، ومنعها من استغلال الأراضي الموريتانية كنقطة عبور نحو مناطق
النزاع في الصحراء. ويبدو أن التنسيق الأمني بين نواكشوط والرباط سجل خلال الفترة
الأخيرة مستوى غير مسبوق.
خلفيات أمنية
يرى العقيد
المتقاعد والباحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية، البخاري محمد مؤمل، أن الخطوة
الموريتانية تستند إلى تقييم ميداني دقيق لطبيعة المخاطر القائمة، مضيفًا:
“إشكالية الحدود اليوم هي من أعظم الإشكاليات في منطقة الساحل، نظرًا لشساعة
المساحات التي تزيد على 5000 كيلومتر، أكثر من أربعة أخماسها برية، وتشهد اضطرابات
متزايدة”.
وأشار إلى أن
تلك المناطق تُستغل في التهريب والتنقيب العشوائي عن الذهب، وقد تشكل ممرًا
لعصابات مسلحة وقطاع طرق. وحول الوساطة الجزائرية، اعتبر البخاري أن
"موريتانيا تمتلك الحق السيادي الكامل في إغلاق حدودها، خاصة حين يتعلق الأمر
بمصالحها الأمنية". مشددًا على أن إدارة هذه الحدود تمثل أحد أكبر التحديات
التي تواجهها الدول في المنطقة.
رسائل متأخرة
رغم الطابع
الأمني للزيارة، إلا أن الوفد الذي ترأسه القيادي في الجبهة حمّة سلامة، ضم شخصيات
استخباراتية وأمنية، وهو ما يعكس حساسية الموضوع. بيان الجبهة أيضا تحدث عن “قضايا
ذات اهتمام مشترك، وسبل تعزيز التعاون بين الشعبين الشقيقين"، غير أن الرسائل
الحقيقية التي تبادلتها الأطراف في الكواليس حملت مضمونًا مختلفًا، ركز على مسألة
دخول عناصر الجبهة وخروجهم من وإلى الأراضي الموريتانية.
اللقاء، رغم
انعقاده على مستوى رفيع، لم يغيّر من الموقف الموريتاني، الذي ظل متمسكًا بسياسة
الإغلاق وتعزيز الانتشار العسكري. حتى اللقاء الذي جمع الوفد الصحراوي مع حزب
الإنصاف "الحاكم"، وعدة أحزاب موريتانية، لم يؤثر في فحوى القرار
السياسي والأمني المتخذ سلفًا.
يقول مدير مركز
ديلول للدراسات الاستراتيجية، أحمد أمبارك الإمام، إن"“منطقة لبريكة كانت
تاريخيًا محل تساهل موريتاني تجاه نشاطات إنسانية يقوم بها الصحراويين، خصوصًا في
ما يتعلق بإدخال البنزين من الجزائر، لكن معلومات استخبارية أشارت لاحقًا إلى
تهريب أسلحة خفيفة، ما أدى إلى اتخاذ قرار الإغلاق بشكل نهائي".
هواجس أمنية
الموقف
الموريتاني المتشدد يتزامن مع تصاعد القلق من تحركات الجماعات المسلحة في منطقة
الساحل، خاصة على حدود موريتانيا مع مالي والجزائر. كما أن عودة البوليساريو إلى
العمل العسكري في المنطقة العازلة، بعد انسحابها من اتفاق وقف إطلاق النار عام
1991، زاد من الهواجس الأمنية لدى نواكشوط، التي ترفض أن تُستخدم أراضيها كمنصة
لأي عمليات معادية.
لكن القرار
الموريتاني لم يمر دون رد فعل من الجبهة، إذ تم تداول رسائل صوتية على مواقع
التواصل الاجتماعي نُسبت إلى عناصر من البوليساريو، هددت باستهداف خط السكة
الحديدية الذي ينقل خام الحديد من الزويرات إلى ميناء نواذيبو، في محاولة للضغط
على نواكشوط للتراجع عن قرارها.
تغير التوازنات
المشاورات
المغلقة بين الطرفين، التي لم تُفتح عدسات الإعلام على تفاصيلها، طرحت تساؤلات
عدة. هل طلب إبراهيم غالي رفع جزء من الإجراءات الأمنية والسماح للجبهة بالتحرك
وفق اتفاق معين؟ أم أن موريتانيا كانت صارمة، ووضعت خطوطًا حمراء مفادها: لا
استخدام للتراب الموريتاني في أعمال عدائية تجاه أي طرف؟
بعض المؤشرات
توحي بأن اللقاء جاء في سياق خسارات دبلوماسية متتالية للجبهة، فقبل أيام من وصول
الوفد إلى نواكشوط، أغلقت سوريا مكاتب البوليساريو، واستعدت لاستئناف علاقاتها مع
المغرب. كما وقّع وزير خارجية كينيا بيانًا مشتركًا مع الرباط يصف مبادرة الحكم
الذاتي بأنها “الحل الواقعي الوحيد”. وذهبت بريطانيا مؤخرًا إلى أبعد من ذلك،
باعتبارها أن المقترح المغربي هو “الأكثر واقعية وبراغماتية”.
وفي ظل هذه
المتغيرات، تبدو زيارة الوفد الصحراوي إلى نواكشوط، في جزء منها، محاولة لحفظ ماء
الوجه، أكثر من كونها مبادرة تفاوضية جادة. لكن هل تستطيع نواكشوط أن تثبّت شروطها
الجديدة في التعامل مع الملف؟ وهل ستقنع الجزائر بأن حدودها لم تعد ورقة مفتوحة
أمام تحركات الجبهة؟ تلك هي الأسئلة التي ستحدد ملامح المرحلة المقبلة.