-->

آخر الأخبار

جاري تحميل ...

اخبار جهوية

اخبار وطنية

السلطة الرابعة



سؤال رهان التنمية المستدامة بعد ازمة جائحة كورونا




بقلم ذ. الحسن لحويدك فاعل جمعوي بجهة الداخلة وادي الذهب




جاء في مأثور كلام العرب :"رب ضارة نافعة "؛  فمن رحم المحنة تولد المنحة، ومن رحم المعاناة يولد الأمل!
 هذا ما ينطبق على التجربة المريرة في الظروف الصعبة الكئيبة التي مرت منها العديد من البلدان في زمن كورونا ، التي دخلت في حرب ضروس حامية الوطيس مع عدو قاتل غير مرئي، شرس ينتشر بسرعة فائقة .
 وطبعا من هذه الدول ، بلدنا المغرب الذي واجه الجائحة برؤية خاصة و بنفس خاص ، بتدابير استباقية واجراءات احترازية بخصوصيات مغربية .

 بصدق و بحق، لقد منحنا فيروس كورونا  فرصة تشخيص جاهز لما ينبغي التركيز عليه أمام التحديات المطروحة ، الامر الذي يحتم علينا جميعا  استثمار حيثياته وتداعياته بإعدادها مرجعا وخارطة طريق ، لأنه قدم دروسا وعبرا تستحق استغلالها لبناء وصياغة مقاربات جديدة جادة  ، من اجل الاستجابة للتطلعات والانتظارات ، المتعلقة بكافة المجالات عبر رؤية إستراتيجية لتنمية مندمجة شاملة ، تستوجب ان تنصب على تدبير جديد لمختلف الامور الحياتية والمشاريع  المجتمعية ، في سياق مخطط اقتصادي واجتماعي ، يتوخى صياغة وبلورة  مشروع نموذج تنموي  بديل ، يقتضي ترسيخ وعي مجتمعي، يستمد أسس قوته واستمراره من  تعبئة وطنية شاملة ، بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، على أساس السياق الذي يجب ان تتمحور عليه ، خاصة بعد فرصة تمديد المهلة التي تفضل جلالة الملك بتحديدها للجنة الخاصة بالنموذج التنموي ، قصد رفع تقريرها النهائي للنظر السديد السامي لجلالته ، في اجل أقصاه بداية شهر يناير من سنة 2021 ، الأمر الذي سيمكن اللجنة من توسيع و تعميق مشاورات أشغالها ، حول تداعيات وباء كورونا كوفيد-19 المستجد ، بالإضافة إلى الدروس التي يجب استخلاصها على المدى المتوسط والبعيد من هذه الجائحة إن على الصعيد الوطني أو الدولي .

ولعل مما يتصدر قائمة الأولويات المستخلصة من الظروف الحرجة لمرحلة جائحة " كورونا "، حاجتنا الماسة لمنظومة تغيير
شامل،  بالتركيز على مجالات الصحة والتربية والتعليم والبحث العلمي ، فضلا عن الاهتمام الفعلي بمسألة القيم المواطنة الإيجابية والتضامن الاجتماعي ، ومحاربة بعض السلوكات السلبية التي كانت سائدة قبل مرحلة هذه الازمة ،  وهي قرارات تقتضي ايلاء أهمية قصوى  للتشخيص والتقييم والتمحيص والتقويم والتصويب، باعتبارها خيارات  استراتيجية  نوعية و مفصلية تعتبر المدخل الأساس لهذا الإصلاح.
لقد تبين ، بما لا يدع مجالا للشك ، اليوم، واكثر من اي وقت مضى، الدور المحوري والجوهري للدولة المغربية في تدبير هذه الأزمة الصحية ، وبالتالي  أعاد المغرب التأكيد ، على غرار التحديات والرهانات التي مر منها  ، سابقا  ، وتحديدا في فترة  ما بعد الاستقلال، على انه يجتاز بسلام الصعاب ، بفضل الإجماع الوطني ، لا سيما حينما يتعلق الأمر بالقضايا المصيرية للأمة المغربية.
لقد عبأ المغرب كل طاقاته ، وحشد كل إمكانياته لمواجهة و تطويق  انتشار هذه الجائحة، و تجفيف ينابيعها.

إن بلادنا، قد توفقت في إبراز مكانتها كدولة ذات مصداقية في التعامل إيجابا ، بفعالية ونجاعة لاجتياز هذه المحنة العصيبة، برهنت على قدرتها المرعبة الفائقة في ان تكون عابرة للقارات ، وللدول الغنية او الفقيرة، المتقدمة او السائرة في طريق النمو...
صحيح ، أن العالم ، بعد اجتياز هذه الوضعية الوبائية ، سيقيم هذه التجربة ، ويثمن ويستثمر جهود الدول التي أحسنت تدبير احتواء هذه الجائحة ، وقدمت نموذجا ناجحا يحتدى به في تأطير مواطنيها للتعامل مع الاجراءات والاحترازات الوقائية ، مما سيعزز فرص الاستثمارات والنمو الاقتصادي ، وبالتالي تحقيق التنمية المستدامة .

إن الظرفية الاستثنائية ، غير المسبوقة، التي طرحتها هذه الجائحة ، أسست لتعبئة مجتمعية منقطعة النظير ، تستدعي استثمارها و تثمينها لبناء مستقبل مشرق واعد ، من أجل إنتاج سياسات عمومية جديدة لاتخاذ الإجراءات الضرورية تجاه التداعيات والآثار السلبية الوخيمة لهذا الوباء اللعين ، التي انعكست على كثير من المجالات .
  ويحق القول ، و هذا بشهادة خبراء و رؤساء دول ذات شان عظيم و منابر اعلامية ذائعة الصيت العالمي والسمعة الإعلامية، ان المغرب اعتمد مقاربة ناجعة وفاعلة نتيجة تدبيره الواقعي و الجريء لهذه الجائحة ، من خلال نهجه منطق  مصلحة الوطن و التضحية بالربح الاقتصادي من اجل المواطن ؛ حيث جعل مصلحة المواطنات والمواطنين فوق كل اعتبار ، مما قلص من وقوع أسوأ السيناريوهات المحتملة والمنتظرة على ضوء تحصينات علمية ، و تأكد بالملموس بأنه خيار صائب ومناسب..
من هذا المنطلق ، يجب استثمار رصيد هذا الإجماع الوطني 
و طرح أسئلة تفرض نفسها و  بقوة، من قبيل : كيف كانت وضعيتنا قبل هذا الوباء ؟ و ما هي عناصر الخصاص المسجلة في العديد من المجالات ؟

 انه لمن الأجدى ، بعد ان اكدت المنظومة الصحية،  بجيشها الابيض المشكل من اطقمها الطبية والتمريضية ، انها كانت في الصفوف الامامية الاولى لمواجهة هذه الجائحة ، مما يقتضي مراجعة شاملة تامة تبدأ بمراعاة العناية والاهتمام  بمواردها البشرية وتجهيز مرافقها ، إلى جانب ضرورة مراجعة السياسات الاجتماعية لما بعد هذه المرحلة الدقيقة لتكون اكثر قوة وتماسكا ، على اعتبار ان المواطن هو الذي يجب ان يكون  في صلب الاهتمامات بالشان الاجتماعي لهذا التغيير والإصلاح المنشودين ، يليه العناية بمجالات التربية والتعليم والمعرفة والبحث العلمي والثقافة، التي تعد ميادين اساسية يجب استثمارها على الوجه المطلوب ، ثم  الاعتناء بالاقتصاد الذي هو الرافعة الضرورية لكل تنمية، والذي يجب أن يكون متنوعا و تنافسيا، قادرا على خلق حركات تجارية متعددة المنابع ؛ فمثلا  تستوجب مرحلة ما بعد الكورونا ، هيكلة القطاع غير المهيكل، وتنويع المبادرات التي من شانها تحقيق المزيد من فرص الشغل ، دون أن ننسى الحالات المأساوية والاشكالات الحقيقية التي عانى منها العمال الذين لم يصرح بهم، و كيف انه تم حرمانهم من حق بعضم في الاستفادة من المبادرة الملكية الممثلة في إحداث صندوق دعم وتدبير الجائحة ، أبان  المغاربة في التبرع فيه عن حس تضامني وطني عال و راق لدى المغاربة .
إن المغرب ، ولله الحمد ، وهبه الله من الثروات والمؤهلات ، والقطاعات المنتجة المتنوعة التي بإمكانها خلق ديناميات فرص الاستثمار في هذا المضمار ، كالفلاحة والصيد والبحري والسياحة والمعادن المتنوعة والرأسمال اللامادي ..
اكيد ، ان كورونا  طرحت مجموعة من التساؤلات ، و ترتبت عنها العديد من وقفات التأمل، تتعلق بعدة قضايا وطنية ، تتطلب تغييرا جذريا بنيويا، فيه الكثير من حسن النية والواقعية والطموح الواقعي، نحو مسار صحيح ، وبفاعلين جدد ، وبعقلية مغايرة للنمط السائد قبل فترة هذه الجائحة .

إن هذه اللحظة التاريخية تجعلنا نستشرف المستقبل من خلال التأمل في ماضينا ، واستخلاص العبر من حاضرنا استشرافا لمستقبلنا ، في هذه المرحلة من خلال طرح الأسئلة التالية :
-        هل سنسعى للتغيير نحو الافضل دولة ومجتمعا ؟
-        هل نملك الشجاعة والارادة الميدانية لتغيير المسار باعتماد إستراتيجيات وسياسات وعقليات  نخب جديدة ؟
-        هل سنتفاعل إيجابا وبمنطق إصلاحي صادق شامل مع قضايا سياسية وإجتماعية وإقتصادية وسلوكية ؟
هذه التساؤلات تتطلب حوارا مجتمعيا مفتوحا صريحا ، ووقفة إعتراف، ومراجعة الذات ، وإعادة النظر في قضايا عديدة تؤرق بال المواطنين وتقض مضاجعهم ..قضايا تحتل مساحات شاسعة من إنشغلاتهم وهواجسهم وانتظاراتهم ، وذلك من خلال ممارسة نقد ذاتي صريح وواضح ، و فيه إرادة سياسية حقيقية ، من طرف الدولة والمؤسسات والهيآت بمختلف مشاربها، والمواطن على حد سواء .
والاكيد ، انه من هذا المنطلق وحده ، نعيد طرح التساؤل الجوهري الذي يجب أن يكون في الصميم ، بصيغة أخرى ، أي مجتمع نريد بعد جائحة " كورونا " ؟!

صحيح ، انه ثمة مجالات اساسية  أبانت عن مكانتها الضرورية وأدوارها الفعالة في مثل هذه الظرفية العصيبة ، كمنظومات الصحة والتعليم والتضامن الاجتماعي والقيم والاسرة والإعلام... لذلك يجب ان تنصب السياسة الاستراتيجية على بناء مغرب جديد ، بعقلية جديدة ، وكفاءات نخب جديدة ، قادرة على وضع تخطيط شامل لإعادة هيكلة هذه المجالات، بالتركيز على قطاعات التعليم والصحة والاقتصاد ،لان هذه المجالات  إن صلحت ، فهي تنعكس بصفة حتمية  بالإيجاب على باقي القطاعات .
وفي هذا السياق ، لابد من هيكلة إنعاش حركة الاقتصاد الوطني لمحاربة الفقر ، والبطالة ، والفوارق الاجتماعية ، وتقوية اسس التماسك الاجتماعي ، وخلق فرص الشغل ، وتقوية دور المقاولة المغربية لتحظى بالأسبقية في الصفقات من اجل تشجيع المنتوجات
المحلية، وبالخصوص المقاولة الصغرى ، بمختلف مهنها التي هي العمود الفقري للاقتصاد . وهذا من شانه ان يشجع على خلق المزيد من فرص الشغل ،  ويقلص هدر العملة الصعبة في الاستيراد ، و استنزاف العديد من الطاقات.
وبديهي ، ان هذا لن يتأتى ، دون المرور عبر جسور تقوية دور الدولة كراع و فاعل  محوري لإصلاح هذه الاوراش ، على أساس ان تعتمد في صلبها سياسات عمومية مواطنة تحرص على خدمة العنصر البشري ، و تولي عناية خاصة  لتأهيل الرأسمال البشري،
و التركيز على ترسيخ العمل بالرقمنة الإدارية .

ولعل الأولوية في هذا التغيير ، تقتضي إحداث تحول عميق في الإدارة لإرساء حكامة جيدة ،  بإمكانها تحقيق عدالة اجتماعية ومجالية مرجعه ذكاء اقتصادي، دون التوصل من ربط المسؤولية والمساءلة والتدبير بالنتائج ، علاوة على تفعيل الجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري ، ليصبح النظام المجالي الجهوي محفزا للمردودية والفعالية، تماشيا مع خصوصية كل جهة على حدى ، لأنها ادرى بحاجياتها في مختلف المجالات ، عملا بالمثل العربي المتداول : "اهل مكة ادرى بشعابها ".

إقرأ أيضا

الرياضة

عين على الفيسبوك

الاقتصاد

أخبار العالم

-->