الجمعة 30 ماي
2025
خلصت دراسة
حديثة أنجزها الدكتور محمد شرايمي، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم
الإنسانية بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، بعنوان "عبيد الكيف: الانتحار
والسلوك الانتحاري بالمغرب – دراسة ميدانية بمنطقة زراعة القنب الهندي بشمال
المغرب"، والصادرة عن دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع بالرباط سنة 2025،
إلى أن ظاهرة الانتحار ترتبط بجملة من العوامل المركبة، من أبرزها: الملاحقات
القانونية المرتبطة بزراعة القنب الهندي، والصراعات حول الموارد الطبيعية كالأرض
والماء، إلى جانب التقلبات الاقتصادية الناتجة عن تذبذب أسعار الكيف وتراكم
الديون. وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى انحدار اجتماعي حاد، وفقًا للدلالة
السوسيولوجية لهذا المفهوم.
وبينت نتائج
الدراسة أن الذكور أكثر عرضة للانتحار مقارنة بالإناث، حيث يفضلون استخدام وسيلة
الشنق، في حين تميل الإناث إلى التسميم. وتُسجَّل هذه الظاهرة بشكل رئيسي لدى
الفئة العمرية ما بين 20 و40 سنة. كما كشفت الدراسة أن الانتحار يُعدّ ظاهرة
منتشرة بشكل لافت في الأوساط القروية.
واستندت الدراسة
إلى عدد من النظريات والدراسات الاجتماعية، والاقتصادية، والنفسية التي تناولت
ظاهرة الانتحار، مرورًا بالغوص في التاريخ الاجتماعي لمنطقة شمال المغرب، ولا سيما
فيما يتعلق بعلاقة الحلال والحرام بزراعة القنب الهندي، وهي العلاقة التي أضفت
عليه طابعًا دينيًا وأدخلته في دائرة المسموح به. وقد تجلى هذا القبول في مجموعة
من المرجعيات التاريخية والدينية، من شرفاء وصلحاء وزوايا، بل وحتى شخصيات مشهورة،
من أبرزهم: سيدي هدي، زعيم الطائفة الهداوية بقبيلة بني عروس، والولي سيدي امحمد
جمعون بقبيلة بني خالد الغمارية.
واعتمد الباحث
في دراسته على منهجية بحثية مزجت بين الأدوات الكمية، كتحليل البيانات الإحصائية،
والأساليب الكيفية، مثل المقابلات الميدانية وتحليل مضمون بعض الأهازيج الجبلية
التي تعكس معاناة الإنسان في سياق أنشطة زراعة القنب الهندي، وهو ما أضفى على
التحليل عمقًا وموضوعية. وخلص المؤلف إلى أن الانتحار في مناطق زراعة القنب الهندي
يُعد نتيجة لتفاعل معقد بين ظروف اقتصادية، واجتماعية، ونفسية، ترتبط ارتباطًا
وثيقًا بهذه الزراعة. وبذلك، تستبعد الدراسة فرضيتين طالما تم تداولهما دون تمحيص
علمي دقيق، وهما: الفقر كعامل مباشر، والدين كعامل روحي متمثل في ما يُعرف بـ
'الفراغ الروحي.