الثلاثاء 18 فبراير 2025
نجحت
الدبلوماسية المغربية في إبعاد ملف الصحراء عن أجندة اجتماعات قادة الاتحاد
الإفريقي المنعقدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، رغم المحاولات المتكررة لخصوم
الوحدة الترابية لفرض هذا الملف ضمن أجندة هذه المنظمة القارية وتهريبه من إطاره
الأممي بعيدا عن الشرعية الدولية، ما يعكس وجود توجه قاري للانكباب على معالجة
القضايا ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة لمستقبل إفريقيا وتجاوز الطروحات التي
كانت عائقا لعقود من الزمن في وجه النهضة التنموية الإفريقية.
يشكل هذا النجاح
المغربي محطة فارقة في مسار إعادة رسم موازين القوى داخل أروقة الاتحاد الإفريقي
التي سيطرت عليها تاريخيا دول تكن العداء للرباط وحولت المنظمة القارية إلى منصة
لمعاكسة المصالح المغربية، قبل أن تتمكن المملكة، بعد عودتها إلى هذه المنظمة في
سنة 2017، من تحييد كل المناورات التي كانت تستهدف وحدتها الترابية، وتؤسس شبكة من
الشراكات والتحالفات التي تمهد الطريق شيئا فشيئا في اتجاه إنهاء عضوية “جمهورية
المخيمات” في المنظمة وإعادة توحيد الصف الإفريقي، مع تركيز الجهود على التنمية
والاستقرار في القارة.
تفاعلًا مع هذا
الموضوع، قال هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، إن “نجاح المغرب في إبعاد
ملف الصحراء عن أجندة اجتماع قادة الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا يعكس بوضوح مدى
صلابة الاستراتيجية الدبلوماسية المغربية وقدرتها على بناء تحالفات فعالة داخل
القارة الإفريقية”، مضيفا أن “هذا الإنجاز يؤكد أن المغرب استطاع فرض رؤيته
الواقعية للنزاع، مرتكزًا على الشرعية الدولية وعلى اقتناع متزايد داخل الاتحاد
بأن قضية الصحراء يجب أن تبقى في إطارها الأممي تحت إشراف مجلس الأمن التابع للأمم
المتحدة”.
وتابع المتحدث بأن
“هذا التطور يحمل دلالات استراتيجية متعددة؛ أولها أن المغرب نجح في نقل مركز
الثقل الدبلوماسي إلى الساحة التي يمتلك فيها أكبر قدر من الشرعية والقدرة على
التحكم في مسار الملف، وهي الأمم المتحدة. وهذا ما يحرم جبهة البوليساريو من
إمكانية استغلال المنابر الإفريقية لمحاولة إضفاء طابع إقليمي على النزاع، بعيدًا
عن المسار الأممي الذي فقدت فيه الكثير من الزخم”، مبرزا أن “هذا النجاح يعكس
انحسار الدعم التقليدي الذي كانت البوليساريو تحظى به داخل الاتحاد الإفريقي، مما
يدل على تغير موازين القوى لصالح المغرب نتيجة سياساته الإفريقية المبنية على
التعاون الاقتصادي، التضامن التنموي والاحترام المتبادل”.
وأوضح أن
“الرسالة التي يحملها هذا التطور لداعمي الانفصال داخل الاتحاد الإفريقي واضحة
وحاسمة، مفادها أن رهانهم على تحويل الاتحاد الإفريقي إلى ساحة بديلة لمعركة
قانونية أو سياسية قد أصبح غير مجدٍ، كما أنها تؤكد أن المغرب ليس في عزلة إفريقية
كما كانت تروج أطروحاتهم، بل يتمتع بدعم متزايد من دول القارة التي باتت ترى في
مقترح الحكم الذاتي المغربي حلا عمليا وجديا للنزاع”.
وأكد معتضد أن
“هذا النجاح المغربي يعزز كذلك منطق الواقعية السياسية في إدارة النزاعات
الإفريقية، ويبرز الاتحاد الإفريقي كمنصة لدعم الحلول الأممية عوض التورط في
نزاعات تعرقل التنمية والاستقرار في القارة، كما يؤكد أن استعادة المغرب مقعده
داخل المنظمة لم تكن خطوة شكلية، بل جزءًا من استراتيجية شاملة أعادت التوازن
للمواقف الإفريقية تجاه ملف الصحراء المغربية”.
وخلص الباحث في
الشؤون الاستراتيجية إلى أن “هذا الإنجاز الدبلوماسي المغربي يعكس أيضًا نجاعة
الرؤية الاستراتيجية التي تبناها المغرب منذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي عام 2017،
حيث ركّز على بناء شراكات اقتصادية وتنموية مع دول القارة، ما عزز رصيده السياسي
وجعل العديد من الدول الإفريقية تنظر إلى المغرب كشريك موثوق يدافع عن قضايا
القارة من منظور الوحدة والاستقرار”، مسجلا أن “هذه المقاربة المتكاملة بين
الاقتصاد والدبلوماسية رسخت القناعة بأن المغرب لا يدافع فقط عن قضاياه الوطنية،
بل يساهم في بناء منظومة إفريقية أكثر تماسكا تقوم على احترام الشرعية الدولية
وتغليب منطق الحلول الواقعية للنزاعات المزمنة”.