دعاية “بوليساريو” وواقع المسيرات المغربية
الثلاثاء 19
نونبر 2024
مرت أربع سنوات
على خروج إبراهيم غالي، في 13 نونبر 2020، مباشرة بعد هزيمة الكركرات المدوية،
ليعلن انسحاب “بوليساريو” من اتفاقية وقف إطلاق النار، واستئناف الحرب ضد المغرب،
مدشنا بذلك مسلسلا من الإخفاقات الميدانية التي عجلت بإسدال الستار عن حقيقة
“بوليساريو”، ليتبين لسكان مخيمات تندوف أن البيت الأصفر بالرابوني أهون من بيت
العنكبوت، وأن “الجمهورية الموعودة” ما هي إلا أضغاث أحلام، وأن مليشيات الرابوني
ليست سوى مجموعة من قطاع الطرق وتجار مخدرات تم طردهم من الكركرات كالجرذان، رغم
ما وظفته الآلة العسكرية الجزائرية من إمكانيات مادية ضخمة، عبر تعبئة وسائلها
الإعلامية، للترويج لحرب وأقصاف لا توجد إلا في مخيلتها، وصرف ملايين الأوروات
لجلب بعثات صحافية، معروفة بمعاداتها للمغرب، لكي تقوم بتصوير مقاطع من مسرحيات
تؤديها مليشيات “بوليساريو” فوق التراب الجزائري بضواحي الرابوني، لتقدم بعد ذلك
على أنها لقطات مصورة من الميدان، سعيا إلى تضليل الرأي العام حول وجود حرب بين
المغرب و”بوليساريو” بالصحراء.
فالسنوات الأربع
الأخيرة أتت على الأخضر واليابس بالرابوني، إذ تحولت ما كانت تسميه “بوليساريو”
“الأراضي المحررة” إلى أراض محرمة، ومددت القوات المغربية الحزام الدفاعي جنوبا،
لتؤمن ممر الكركرات بصفة نهائية، وشرقا لاستكمال السيطرة على جبال واركزيز،
لمحاصرة ومراقبة مليشيات “بوليساريو” داخل التراب الجزائري، في حين لم نسمع عن أي
عملية عسكرية لـ “قوات الرابوني” عبر ألفي كيلومتر من الجدار، بل بالعكس كل ما
جناه إبراهيم غالي وأسياده في زرالدة هو نفوق قيادات في “بوليساريو” حاولت التسلل
إلى المنطقة العازلة، من أمثال قائد دركها ولد البندير، أو قائد ناحيتها السادسة
المتمركزة بالرابوني أبا علي حمودي.
ومع كل مرة
تتناقل وسائل الإعلام داخل المخيمات، على قلتها، صورا لضحايا جدد تم الزج بهم في
هذا الجزء المحرم من الصحراء، ليصبحوا أهدافا مكشوفة للطيران المغربي، تعود إلى
الأذهان الأسئلة نفسها، حول إمعان عصابة الرابوني في الدفع بالصحراويين إلى الموت
المحقق، مقابل منافع مادية تمد لها بسخاء من قبل الجنرالات الجزائريين المتعطشين
إلى زعزعة المغرب، مهما كان الثمن، لأن سكان المخيمات، يجهرون الآن بأن الأمر زاد
حقا عن حده. ولعل تناسل التسجيلات الصوتية لصحراويين من المخيمات يطالبون بتأمين
عودتهم إلى أرض أجدادهم لدليل قاطع على كسر هؤلاء لجدار الخوف، لدرجة أنه أصبح
مؤكدا بالمخيمات بأن جل المنتمين لتراب الصحراء سيعودون للمغرب بمجرد إتاحة هذه
الفرصة من قبل السلطات المغربية.
ومع تواصل
احتجاز الصحراويين بالمخيمات، وتزايد أعداد ضحايا دعاية “بوليساريو”، تحت ضربات
القوات المغربية، يتساءل السكان عن دور قيادة الرابوني في الحفاظ على أرواح هؤلاء
الأبرياء، التي تذهب سدى، بعدما تأكد للعدو والصديق بأن “بوليساريو” أصبحت مدمرة
داخليا وخارجيا، وكذلك على مستوى البنية القيادية، إذ تعيش بلا زعيم فعلي منذ
2016، وتعاني أيضا نزيفا بشريا حادا داخل المخيمات، التي لم تعد آمنة أو صالحة
للعيش لمن تبقى من الشيوخ والنساء والأطفال، فالخدمات الأساسية مقطوعة والتعليم
متدهور والصحة غير موجودة والتسيير السياسي غائب تماما.
ووسط كل هذا
الركام من الفشل والانهيار، حتى على مستوى المنظومة الدعائية، يرى الجميع، بمن
فيهم داعمو “بوليساريو”، أن الوقت حان لمراجعة أهداف الحركة، ليس على مستوى الطرح
السياسي فحسب، بل حتى على المستوى الوجودي، فالحركة، التي احتفلت منذ سنة تقريبا
بخمسينيتها، هي اليوم عبارة عن هيكل بدون روح لا يمكنه التعامل مع تحديات الظرفية
الحالية بالمنطق نفسه، المسطر منذ عهد بوخروبة، إذ لا بد لقيادة “بوليساريو” أن
تستجمع كل ما لديها من شجاعة لتوصل لجنرالات زرالدة ضرورة التأقلم مع المعطيات
الجديدة فوق الأرض، والتوجهات العالمية في ما يخص التعامل مع قضية الصحراء، ما
يحتم عليها أن تتجاوز الوضعية الحالية، وإلا فإن الوقت قد تجاوزها.