شكل الإعلان عن تنظيم المسيرة الخضراء من قبل الحسن الثاني في 16 أكتوبر من
سنة 1975، نقطة تحول المشهد السياسي المغربي، وتعززت بوضوح سلطة الملك، بعدما
قررت أحزاب المعارضة الرئيسية المشاركة في العملية السياسية والتخلي عن الكفاح
المسلح.
الإثنين 16 أكتوبر 2023
في 16 أكتوبر من سنة 1975، أعلن الملك الحسن الثاني في خطاب ألقاه عبر القناة
الوطنية، عن تنظيم مسيرة خضراء باتجاه الصحراء، المعروفة آنذاك باسم "الصحراء
الإسبانية" والتي كانت تحت السيطرة الاسبانية.
وجاء في الخطاب الذي ألقاه الملك الحسن الثاني من مدينة مراكش:
"بقي لنا أن نتوجه إلى أرضنا،
الصحراء فتحت لنا أبوابها قانونيا، اعترف العالم بأسره بأن الصحراء كانت لنا
منذ قديم الزمن، واعترف العالم لنا أيضا بأنه كانت بيننا وبين الصحراء روابط ،
وتلك الروابط لم تقطع تلقائيا وإنما قطعها الاستعمار (...) لم يبق شعبي العزيز
إلا شيء واحد ، إننا علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه ومن
شرق المغرب إلى غربه".
قبل الخطاب الملكي
بدأت أزمة الصحراء الغربية قبل انسحاب الإسبان منها، إذ طالب المغرب باسترجاع
الإقليم باعتباره جزءا من أراضيه، فيما طالبت موريتانيا بجزء من الصحراء بدعوى
أن للسكان تقاليد شبيهة بالتقاليد الموريتانية، بينما طالبت جبهة البوليساريو
التي تأسست في 10 ماي من سنة 1973 بإقامة دولة منفصلة في المنطقة.
وأمام هذا الوضع تقدم المغرب في 23 شتنبر من سنة 1974 بملف إلى محكمة العدل
الدولية في لاهاي، لتبدي رأيا استشاريا، لتعزيز مطالبته بحقوقه التاريخية في
الإقليم.
وعقدت المحكمة 27 جلسة علنية ابتداء من 25 يونيو ولغاية 30 يوليوز 1975 وأعلنت
رأيها الاستشاري في 16 أكتوبر 1975 في 60 صفحة.
ونص قرار المحكمة على وجود علاقات تاريخية بين الصحراء الغربية من جهة والمغرب
وموريتانيا من جهة ثانية. كما نص القرار على وجود علاقات تبعية وروحية ، ودينية
بين بعض قبائل المنطقة وسلطان المغرب.
لكن القرار قال أيضا إنه لا توجد أي "روابط للسيادة الترابية بين أراضي
الصحراء الغربية من جهة، ومملكة المغرب أو مجموع التراب الموريتاني من جهة
أخرى".
المعارضة والخطاب الملكي
بعد الخطاب الملكي الذي تم فيه الإعلان عن المسيرة الخضراء، اتخذت المعارضة
شكلا مختلفا في البلاد، وبدأت أحزابها الرئيسية تركز على القضايا الاجتماعية
والاقتصادية، ولم تعد تعارض بنفس الحدة الملك الحسن الثاني.
بوادر الانفراج بين المعارضة والنظام الملكي كانت قد بدأت قبل الخطاب، فخلال
الشهر الذي سبق الإعلان الملكي زار الوجه البارز في المعارضة عبد الرحيم بوعبيد
مجموعة من الأحزاب التي تنتمي لمنظمة دول عدم الانحياز للدفاع عن موقف المغرب
من نزاع الصحراء.
وانشغل قادة أحزاب المعارضة آنذاك بالدفاع عن موقف المغرب من نزاع الصحراء،
وابتعدوا عن مهاجمة النظام الملكي.
وكانت المسيرة الخضراء أحد أبرز الأسباب التي جعلت العلاقة بين الحسن الثاني
وحزب الاستقلال تتحسن، وهي العلاقة التي كانت قد تدهورت بعد اعتراف المغرب
بموريتانيا سنة 1969، وهو القرار الذي أعلن الحزب عن رفضه بشدة.
لكن رغم ذلك بقيت بعض المنظمات اليسارية الراديكالية خارج هذا الإجماع الحاصل
حول المسيرة الخضراء، حيث أعلنت منظمة إلى الأمام في بلاغ لها يوم 19 أكتوبر
سنة 1975، عن معارضتها للمسيرة الخضراء التي دعا إليها الحسن الثاني ووصفتها
بـ"المسيرة الصفراء"، وبأنها "مسيرة الخداع والنفاق" والتي يهدف من ورائها
الحسن الثاني "إلى استعباد سكان الصحراء بالقوة والدخول في حرب ضد الجزائر
الشقيقة".
واعتبرت مشكل الصحراء مشكلا "سياسيا يدور حول حق جماهير الصحراء في تقرير
مصيرها، وليس مشكلا قانونيا".
المسيرة الخضراء
في الخامس من شهر نونبر من سنة 1975، وجه الحسن الثاني خطابا للمتطوعين
للمسيرة قائلا:
"غدا إن شاء الله سنخترق
الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء، غدا إن شاء الله ستطؤون طرفا
من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون ثرى من وطنكم العزيز".
وفي اليوم الموالي انتظمت المسيرة في حشود كبيرة، وتمت تعبئة نحو 44 ألفا من
الكوادر المختلفة، و470 طبيبا لمرافقة ورعاية المتطوعين الذين بلغ عددهم 350
ألف شخص، والذين تجمعوا في مدينة طرفاية في انتظار إشارة الانطلاق.
ونجحت المسيرة في فرض الأمر الواقع بعد تجاوز الأسلاك الشائكة التي كانت تحدد
مجال النفوذ الإسباني، وزادت الضغوط على مدريد التي لم تكن مهيأة للدخول في
مواجهة مع المغرب.
وفي التاسع من نونبر طلب الحسن الثاني، من المشاركين العودة لتبدأ المفاوضات
التي أسفرت في 14 من الشهر نفسه عن توقيع اتفاقية مدريد التي تخلت بموجبها
إسبانيا عن إقليم الصحراء ليقتسم بين المغرب وموريتانيا.