-->

آخر الأخبار

جاري تحميل ...

اخبار جهوية

اخبار وطنية

السلطة الرابعة



الراحة البيولوجية آلية لاستدامة الثروة السمكية والحفاظ على توزان البيئة البحرية



 

إعداد: فاطمة الزهراء بوشت، وسكينة أبلاضي


إشراف: محمد سليماني


 يزخر المغرب بثروات بحرية هائلة، وذلك نتيجة موقعه الاستراتيجي شمال غرب القارة الأفريقية، حيث يطل على واجهتين بحريتين؛ هما البحر الأبيض المتوسط، حيث تمتد سواحله على مسافة 540 كلم، والمحيط الأطلسي الممتد على مسافة 2960 كلم. هذا التموقع المهم أتاح للمغرب الاستفادة من الغنائم والثروات البحرية، ذلك أن العدد من الموانئ تنتشر على طول الساحلين.

ويعتبر الاقتصاد الأزرق أحد محركات الاقتصاد المغربي، خصوصا في مجال الصيد البحري الذي يعتبر من أهم القطاعات التي تخلق الثروة، كما تشغل يدا عاملة كبيرة تصل إلى 700 ألف منصب مباشر وغير مباشر حسب تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سنة 2018 حول الاقتصاد الأزرق. وبلغت كمية المفرغات السمكية بكل موانئ المملكة ما مجموعه 1332765 طن سنة 2021، محققة قيمة مالية تصل إلى 9110293 درهم.


إلا أن هذه الحيوية الاقتصادية، والنشاط المكثف لهذا القطاع، يخفي في باطنه مخاوف كبيرة ترتبط بسلامة المنظومة البيئية، بحيث يعد الحفاظ على سلامة البحار والمحيطات، وعلى التنوع البيولوجي البحري محوراً رئيسيا لتحقيق استدامة الثروات السمكية لاستفادة الأجيال اللاحقة منها. وإذا كانت الثروات التي يزخر بها المجال البحري للمغرب تتيح فرصا كبيرة، فإن استغلال هذا المجال يواجه خطر الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية وتدهور الأنظمة الإيكولوجية.


ممارسات تفسد التنوع البيولوجي البحري


عرفت مصايد المغرب خلال سنوات قليلة "اختلالات" كبيرة، بعدما سجل المعهد الوطني في الصيد البحري، استنزافا كبيرا في عدد من الأنواع السمكية، نتج عنه تكبد القطاع خسائر كبيرة، كما أصبح مصدر عيش الآلاف من الأسر في خطر شديد. وبحسب وزارة الفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري، فإنه على الصعيد الوطني، من بين 11 مخزونا من الأنواع السمكية بالمغرب التي تم تقييمها في سنة 2010 من طرف اللجنة العلمية الفرعية للجنة الصيد لوسط شرق المحيط الأطلسي (كوباسCOPACE ) لمنظمة الأغذية والزراعة، هناك خمسة أنواع في حالة مفرطة من الاستغلال، كالأخطبوط، والحبار البني الداكن، والروبيان الوردي، سمك النازلي الأبيض، سمك القاروص. وهناك أربعة أنواع سمكية أيضا تعتبر مستغلة بالكامل، كسمك "الدنيس ذو الأعين الكبيرة"، و"الدنديق"، و "الدنيس الأحمر". وهناك نوع آخر في مرحلة الانقراض هو سمك التونة ذات الزعانف الزرقاء.


وقد وصلت مصايد المغرب إلى هذه الحالة، التي أضحت تهدد البيئة البحرية، وتفسد نظمها الإيكولوجية، بفعل ممارسات إنسانية جائرة، نتيجة "الصيد غير القانوني" و"غير المرخص"، ثم الصيد ب"المتفجرات" (الديناميت)، المحظور دوليا، لكونه يقضي على الثروات البحرية ويفسد الحياة في قاع البحار والمحيطات التي تحافظ على توزان البيئة البحرية، ثم الصيد بواسطة "سلفان النحاس" الذي يلوث الحياة بالبحر ويتسبب في تخريب التكاثر الطبيعي للأسماك، وتراجع المخزون السمكي. من بين أساليب الصيد الأخرى المدمرة، هناك الصيد بالجر الذي يدمر الأعماق البحرية ويقضي على بيض الأسماك، وعلى أعداد هائلة من صغارها، مما يجعل مسألة استمرار الأنواع السمكية في خطر، وهناك أيضا الصيد بالشباك العائمة التي تستعمل لصيد سمك "أبو سيف"، وتتسبب في القضاء على جميع أنواع الكائنات البحرية الكبيرة ك (الحيتان والدلافين والسلاحف البحرية وأسماك القرش). ورغم أن هذه الأنواع من عمليات الصيد تحقق لأصحابها عائدات مالية مهمة، إلا أن أضرارها على البيئة البحرية لا تقدر بثمن، كما أنها تجعل استدامة الثروات البحرية في خطر، لذلك لن يجد مستقبلا هؤلاء الصيادون مورد رزق لهم.


استنزاف الثروات البحرية


    تتشكل الثروات البحرية للمغرب من أكثر من 500 نوع؛ وهو ما يجعل المغرب يحتل المرتبة الأولى إفريقيا والثالثة عشر عالميا من حيث حجم إنتاج الأسماك، إلا أن هذه المكانة تجعل هذه الثروات والنظم البيئية البحرية في خطر. فلا أحد يجادل في النتيجة الحتمية لممارسات الصيد غير القانوني وغير المرخص، والصيد بوسائل ممنوعة، ذلك أن هذه الممارسات تؤدي بشكل مباشر إلى استنزاف الثروات البحرية، من خلال انقراض أنواع كثيرة من الأسماك، لكون بعض أساليب الصيد تعمل على جرف بيض الأسماك، وهلاك أعداد كبيرة من الأسماك الصغيرة بعد جرفها بواسطة شباك عائمة أو تدميرها بواسطة المتفجرات. وإلى عهد قريب كانت موانئ مغربية معروفة بإنتاج وفير من بعض الأسماك، إلا أنها اليوم أضحت خاوية على عروشها بعد استنزافها بالكامل نتيجة الاستغلال المفرط.


   وقد عرفت مصايد المغرب سنتي 2003 و2004 أزمة حادة، بدأت معها أسئلة عديدة حول استدامة هذه الثروات السمكية والحفاظ على النظم البيئية البحرية، وأحقية الأجيال الصاعدة فيها، تطفو على السطح. كما يؤدي هذا الاستغلال المفرط إلى اختفاء بعض الأنواع السمكية في البحر، وارتفاع أسعارها في الأسواق نتيجة نذرتها، الأمر الذي ينعكس سلبا على الصياد وعلى المواطن العادي. ومن بين الصور المثيرة هو صيد أسماك دون الحجم القانوني المرخص، حيث إن شباك الصيد والمتفجرات لا تمييز بين الأسماك، بل تجرف كل ما تجده في طريقها.


إجراءات وحلول بديلة


   بغية جعل الصيد البحري قطاعاً مستداماً، وضمان الاستثمار الأمثل لهذه الرافعة الاقتصادية، وحماية التنوع البيولوجي والبيئة البحرية من الهلاك والتدمير، أطلقت وزارة الفلاحة والصيد البحري في سنة 2009 مخطط "أليوتيس" لتطوير قطاع الصيد البحري. وتتمثل أهداف هذا المخطط في تثمين الثروات البحرية المغربية، وضمان استدامتها، وزيادة مساهمة القطاع في الناتج الداخلي الإجمالي إلى ثلاثة أضعاف. ويرتكز المخطط على ثلاثة محاور رئيسية، هي: استدامة مصايد الأسماك؛ وأداء البنيات التحتية الخاصة بالصيد وبالتسويق؛ وتنافسية منتجات الصيد. ومن أجل إرساء صيد مستدام، تم سنة 2016 إطلاق مبادرة الحزام الأزرق بهدف تحويل قطاع الصيد البحري إلى نشاطٍ مستدامٍ ومحدث للثروة. وتسعى مبادرة الحزام الأزرق إلى حماية الأنظمة الإيكولوجية البحرية، من خلال إنشاء المحميات البحرية، والاستغلال المستدام لمخزون الثروة السمكية.


ومن بين الإجراءات الأساسية المعتمدة للحفاظ على الثروات السمكية واستدامتها، هناك "فترة الراحة البيولوجية"، حيث يتم توقيف أنواع كثيرة من أنشطة الصيد البحري لفترة زمنية محددة، بالمناطق البحرية المهددة بتقلص ثروتها البحرية نتيجة الاستغلال المكثف، وهي الفترة المحددة علميا بتوالد الأسماك، ذلك أن البواخر تتوقف عن الإبحار لمدة زمنية، كما تم تحديد حصص مضبوطة لكل باخرة صيد، لا يمكن تجاوزها. وبلغة الأرقام، فبعد اعتماد هذه الإجراءات بدأت على سبيل المثال مفرغات الرخويات في الانتعاش، إذ انتقلت من 16348 طن سنة 2004 إلى 25467 طن سنة 2010، وصولا إلى 68921 طن سنة 2021 حسب إحصائيات المكتب الوطني للصيد.

 

إشراك المواطنين هو الحل


رغم اعتماد إجراءات إدارية لحماية الثروة السمكية من خطر التدمير والاستنزاف، ورغم تقوية المراقبة عبر السواحل المغربية، إلا أن تحسيس المواطنين، وتوعية الصيادين بأهمية هذا الكنز الذي لا يقدر بثمن، أساسي ومهم جدا. فأحيانا وحسب إفادات كثيرة للصيادين، فإن بعض البواخر العملاقة تصطاد شباكها أنواعا يمنع صيدها كونها دون الحجم القانوني، فتقوم برميها في عرض البحر بعيدا عن أعين المراقبة، مما يؤثر على البيئة البحرية. فتوعية المواطن من السبل الكفيلة بحماية الثروة السمكية والحفاظ على استدامتها، عبر امتناعه عن اقتناء الأسماك دون الحجم القانوني، كما أن إشراك الصيادين ومهنيي البحر من شأنه أن يحمي البيئة البحرية، واستدامتها، باعتبارهم المستفيدين المباشرين منها، وأي خطر يواجهها، فسينعكس مباشرة عليهم. إن تدمير البيئة البحرية، هو اعتداء على حق الأجيال الصاعدة في العيش والاستفادة من الثروات الطبيعية. وينسجم هذا الأمر مع الأهداف ال 17 للتنمية المستدامة، وخصوصا الهدفين رقم 12 المتعلق بالاستهلاك والإنتاج المستدامين باعتبارهما أمرا حتميا، للاستغلال الأمثل للموارد، وخصوصا البحرية، ثم الهدف رقم 14 المتعلق بالحياة تحت الماء، الذي يقوم على إدارة وحماية النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية على نحو مستدام.

 

إقرأ أيضا

الرياضة

عين على الفيسبوك

الاقتصاد

أخبار العالم

-->