-->

آخر الأخبار

جاري تحميل ...

اخبار جهوية

اخبار وطنية

السلطة الرابعة



مؤشرات فشل السياسات العمومية بالصحراء




بقلم : رشيد ودا / باحث في العلوم السياسية

ان المتتبع للشأن المحلي بالصحراء يدرك بما لا يدع مجالا للشك أن سيل الاحتقان الاجتماعي بلغ الزبى وبات قاب قوسين أو أدنى من الانفجار نتيجة فشل السياسات العمومية في تدبير الملفات الإجتماعية بالمنطقة في ظل التراكمات المطلبية لمختلف شرائح المجتمع بشكل عام وحاملي الشهادات العليا بشكل خاص وهو الأمر الذي ينذر بتداعيات بالغة الخطورة قد تعيد مسلسل الاحتجاجات الى الواجهة بعد أن شهدت نوعا من الهدوء والاستقرار يشوبهما نوع من الحذر بعد احداث "اكديم ازيك"..

لكنه الهدوء الذي يسبق العاصفة كما يصفه البعض من المراقبين إذ أن جميع المؤشرات تشير الى ان هناك حالة من عدم الرضا لدى عامة سكان المنطقة مرده الى فشل المنتخبين والمسؤولين في إدارة الملفات الساخنة ومن أهمها ملف التشغيل الذي بات الشغل الشاغل لشباب المنطقة  في غياب تام لأي شكل من أشكال الحوار الاجتماعي وفي غياب أي بدائل أخرى قد تنأى بشباب المنطقة عن معضلة البطالة التي أنهكت كاهل الباحثين عن فرصة عمل وجعلت ذويهم في حالة من اليأس من المنتخبين والدولة على حد سواء نتج عنها ظهور مشاكل اجتماعية تفاقمت الى حد كبير و لم تعرفها هذه الرقعة الجغرافية في سابق عهدها مما يمهد الطريق لأزمة حقيقية قد تعصف بالأخضر واليابس إن لم يتم التعجيل باحتوائها عبر التجاوب مع تطلعات الساكنة ومنحهم الحق في العيش الكريم بعيدا عن أي مزايدات سياسية يبقى الانسان الصحراوي في معزل عنها..
وفي اعتقادي الشخصي  فان المطالب الاجتماعية  كانت ولازالت السمة المميزة للحراك الشعبي في المنطقة وإن رافقتها في بعض الأحيان أشكال احتجاجية تتخذ قالبا سياسيا يشتد وطيسها تارة و يخف تارة أخرى حسب نبض الشارع المحكوم أساسا بأهواء الدول المؤثرة و المرتبطة سياسيا وجغرافيا بملف الصحراء والتي تخضع بدورها لمصالح وتجاذبات الدول العظمى المهيمنة على أروقة الأمم المتحدة باعتبارها الوعاء الذي احتضن الملف لعقود طويلة دون ان أن يجد له وليا ولا نصيرا, لكن بغض النظر عن ما هو سياسي و دون الأخذ بعين الاعتبار الانقسامات المسجلة على صعيد المنطقة بين مؤيد للانفصال ومعارض له فان السكان المحليين لم يتم إشراكهم بشكل فعلي في تدبير شؤون المنطقة ويتضح ذلك بجلاء في تدني مستوى العيش  للسواد الأعظم من ساكنة الصحراء وذلك بفعل تركيز السلط في يد واحدة تبسط الرزق لمن تشاء وتعزه عن من تشاء وجعلت من الولاء صكا للغفران قد يشفع لطالبه في لقمة عيش أو بطاقة إنعاش إن كان من المقربين..

ومن بين الظواهر الشاذة التي أفرزها لنا سوء تدبير الملفات الاجتماعية وفي مقدمتها ملف الشغل تدافع بعض شباب المنطقة وخصوصا منهم حاملي الشهادات العليا بفعل العوز والفقر وقلة ذات اليد إلى التكتل في مجموعات تحت مسميات مختلفة (الشباب المستقل الداعم ل فلان مثلا..) حيث رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وانتصبوا للدفاع عن بعض المنتخبين مقابل الحصول على دراهم معدودات تسلم إليهم في شكل مشاريع صغرى تحت مسميات مختلفة كان من الأولى وضعها تحت مسمى "الولاء مقابل الطعام", حيث يتم استغلال الوضع الاجتماعي المزري لهؤلاء الشباب  عن طريق استقطابهم للعمل في ميادين لا تمت باي صلة الى تكوينهم العلمي والأكاديمي ومنهم من أوكلت اليه مهمة تشكيل جناح إعلامي هدفه تلميع صورة المنتخب محليا مع الأخذ بعين الاعتبار جعل هذه المجموعات رهن إشارة "السيد" اذا ما أراد أن يقضي بهم ماَرب أخرى كإجبارهم على تلبية النداء للحضور في لقاءات رسمية أو حزبية وتقديمهم للرأي العام المحلي والدولي على أنهم مثال يحتذى به للشباب الصحراوي المستفيد من البرامج الضخمة المسطرة ضمن النموذج التنموي الجديد, وهم في واقع الأمر شباب مغلوبين على أمرهم مفعول بهم نحو المجهول أنهكتهم البطالة وانعدام فرص الشغل ليجدوا أنفسهم رهن إشارة "المنتخب" يفعل بهم ما يشاء و يوجههم كما يشاء..
وعلى النقيض ممن اختاروا الإرتهان للآخر، هناك مثال مشرف لبعض الشباب المعطل حاملي الشواهد العليا كان عصيا على الاستمالة والاستقطاب تحسبهم أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا اختار الميدان ليسطر من خلاله أشكالا نضالية سلمية حضارية لانتزاع حقه في الشغل والعيش الكريم دون الخضوع لأي مساومات تسلبه ماء الوجه، فقد خاضوا ولازالوا محطات نضالية لم تثمر عن أي تجاوب يذكر من لدن المسؤولين، بل كانت المقاربة الأمنية هي سيدة الموقف على امتداد السنوات التي تلت احداث "اكديم ازيك"
وبالعودة الى تاريخ الأزمات في المنطقة والأسباب الكامنة وراء انفجارها، فقد كانت المطالب الاجتماعية كما سلف الذكر النقطة التي أفاضت الكأس في معظمها –وان التحفت أحيانا بالغطاء السياسي، فالاستقرار سمة تطبع المجتمعات التي تنعم بسبل العيش الكريم حيث توفر السلطة التي تبسط نفوذها في المنطقة أساسيات العيش لمواطنيها من شغل وصحة وتعليم، ناهيك ان المقدرات الطبيعية للمنطقة (الصيد البحري، الفوسفاط..)  تغنيها عن الحاجة إلى أي دعم محلي أو دولي، فالأرقام والاحصائيات التي تخرج إلى العلن بين الفينة والأخرى وما يصاحبها من تعتيم مقصود  تكشف حجم العائدات المحتملة للثروات الطبيعية والتي تكاد تكون خيالية – وان نفت بعض الجهات الرسمية صحتها وعدم قدرة تلك المقدرات على تغطية حاجيات سكان المنطقة فقد جانبت الصواب، فهي أرقام حقيقية ظاهرة للعيان حيث تم العمل على تسخير جزء يسير منها  في انجاز مشاريع وهمية تهم تنمية الحجر أكثر من البشر من قبيل اهدار المال العام على الساحات العمومية والنافورات وصباغة الجدران وكل ما يمكنه تلميع المنطقة في ظاهرها, أما باطنها فهو بركان خامد قد يجبره الإهمال على الانفجار في أية لحظة
وبما أن هذه المداخيل المهمة المسجلة على مستوى الناتج المحلي للمنطقة لم تنعكس على الوضع المعيشي للساكنة ولم تساهم في توفير فرص شغل لأبنائها، تدفعنا لإثارة تساؤلات عديدة وفي مقدمتها السؤال التقليدي أين يتم تصريف الثروة ؟

لقد شكل هذا السؤال محاولة يائسة مع الأسف  ضمن محاولات عديدة اجتهدت في مسار نفض الغبار عن الحقيقة وتنوير الرأي العام الصحراوي بشكل خاص حول الملفات الحساسة التي ظلت الى حدود الأمس في طي الكتمان, فيما اعتبر البعض الاخر ممن استولوا على الجمل بما حمل اثارة هذه القضايا خطا أحمر لا ينبغي التعرض له باي شكل من الاشكال, فالسؤال عنه مذموم قد يجر صاحبه الى متاهات عديدة يصعب الخروج منها، لكن المسؤولية التاريخية والاجتماعية والأخلاقية تقتضي منا سبر أغوار الحقيقة والانخراط مع أي صوت يتطلع الى اصلاح ما أفسده البعض ممن يحسبون أنفسهم قائمين على الشأن المحلي للمنطقة وواقع الحال يؤكد مسؤوليتهم المباشرة في تقسيم الثروة وماجادت به  الأرض من خيرات مستحوذين على نصيب الأسد منها مما جعل المنطقة تنقسم الى فئتين, فئة  بلغت ذروة الغنى الفاحش  وسواد أعظم  من الساكنة يعيش الفقر المدقع..

 لهذه الأسباب وغيرها تبقى الاستجابة للمطالب الاجتماعية وتحسين ظروف العيش  حقا مشروعا تكفله الدساتير والأعراف الدولية ولايستدعي اثارة كل هذا النقاش والجدل,  فهي في الواقع حقوق ثابتة تحولت مع الأيام الى أمنيات صعبة المنال يسعى الانسان الصحراوي البسيط جاهدا نحو تحقيقها,  ومن واجب الدولة الوفاء بالتزاماتها اتجاه المنطقة وكسر قاعدة الاستثناء التي أتاحت لثلة قليلة السيطرة على مكة وشعابها, والحل الثابت والواقعي والاستراتيجي هو إعادة النظر في التوزيع العادل للثروة على النحو الذي يضمن لجميع ساكنة المنطقة الظفر بمدخول قار يحول بينهم وبين شبح الفقر و يغنيهم عن ذل السؤال، على الرغم من أن الوصول إلى هذه المبتغى  يتعذر في ظل السياسات العمومية الحالية التي أبانت عن فشلها الذريع في تحقيق التوازن الاجتماعي المنشود , هذا الواقع البئيس خلق جوا من التشاؤم على جميع المستويات ساهم في تغذية اليأس على المستوى الشعبي منذرا بفشل ما يعرف بالنموذج التنموي الجديد الذي لم يخضع في جوهره للحكامة الجيدة في غياب إعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة..




إقرأ أيضا

الرياضة

عين على الفيسبوك

الاقتصاد

أخبار العالم

-->